الأربعاء، 9 أكتوبر 2013

أهمية التراجم في دراسة التاريخ

        تحفظ الأمة جهودها العلمية وانجازها الثقافية من خلال مجموعة من الكتابات المتعددة في علوم عصرهم ، ومن فنون هده الكتابات ما سمي بكتب التراجم كحقل معرفي من حقول التاريخ الثقافي للمسلمين، إذ اتجه عدد كبير من العلماء على اختلاف مذاهبهم إلى تدوين السيرة الذاتية لآلاف العلماء الدين سبقوهم في أزمنة متعاقبة أو عاصروهم بمختلف تخصصاتهم العلمية واتجاهاتهم الفكرية مسلطة الضوء على مكانة صاحب الترجمة العلمية سواء تعلق الأمر بالمحدثين والفقهاء والمتصوفون والأدباء وغيرهم ،إذ تشكل هده المؤلفات إحدى المصادر التاريخية الأكثر أهمية ،لذا سأحاول الوقوف على تعريف كتب التراجم وكدا تعريف الترجمة ،وأحدد أنواعهما ومميزاتهما .
المبحث الأول: كتب التراجم: التعريف والأنواع .                                                   
         تكتسي كتب التراجم أهمية قصوى في عملية كتابة التاريخ، ودلك لما تختزله من أحداث ووقائع في ثنايا  تراجمها، وتكشف عن مجموعة من الحقائق،والتعمق فيها يساهم في دراسة مختلف التطورات الاقتصادية والاجتماعية.
1:التعريف بكتب التراجم.
    كتب التراجم هي أعمال مرجعية تعرف حياة مجموعة كبيرة  من الأفراد ويتم ترتيبها بطريقة معينة وأغلب الكتب تتب بطريقة هجائية، وتتناول سيرة حياة الأعلام من الناس عبر العصور المختلفة، وتبين الأحوال الكلية والجزئية لشخصيات و أفراد من الناس الذين تركوا أثارا في المجتمع. قال السملاليٍ : {أعلم أن علم الأنساب علم يتعرف منه أنساب الناس وقواعده الكلية والجزئية، والفرض منه الاحتراز عن الخطأ في نسب الشخص} (1).
       فكتب التراجم تعني بأفراد الأمة من علماء وصالحين ومجاهدين، وكتاب وشعراء ومؤلفين، وحتى الموظفين والفنانين وقضاة ومحتسبين ونظار وموسيقيين ووراقين وغيرهم (2).  ارتبط ظهور كتب التراجم بتدوين علم الحديث، بدليل كتب الطبقات الأولى ألفت في النبي صلى الله عليه و سلم وصحبه التابعين، واتسع هدا الفن باتساع الإمبراطورية الإسلامية وتعدد مناحي الحضارة الإسلامية. كفنون وعلوم واتجاهات فكرية وعقائدية...فألفت كتب الطبقات في الفقه والحديث والطب والأدب وهذا الإنتاج البيوغرافي يعتبر أداة أساسية لضبط الشخص المترجم له ومعرفة شخصيته وإنتاجه الفكري ونشاطاته المختلفة.
      وتعتبر كتب التراجم عموما فرعا من فروع كتب التاريخ ولعل تسمية بعض المتقدمين لمصنفاتهم(3) دليل على ذلك لأنهم صنفوا كتبا باسم التاريخ موضوعها التراجم والسيرة ،يقول الجبرتي:ٍٍِِِِِ{فن التاريخ علم تندرج فيه علوم كثيرة لولاها ماتبتت أصولها ولا تشعبت فروعها ،منها طبقات القراء والمفسرين والمحدثين وسير الصحابة والتابعين وطبقات  المجتهدين وطبقات النحات والحكماء والأطباء وأخبار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وأخبارالمغازي وحكايات الصالحين}(4). ذلك أن دراسة الشخصيات يعتبر جزءا رئيسيا من الدراسة التاريخية.                    2:أنواع كتب التراجم :
 كتب التراجم تتنوع ، هناك تراجم غير مرجعية (5)التي تتحدث عن شخصية  واحدة أو عدد محدود من الشخصيات بشكل محدد ،كسيرة ابن هشام ،والرحيق المختوم لصفي الرحمان المبارك فوري ،وخلفاء الرسول لخالد محمد خالد.         
     
    وهناك كتب مرجعية والتي تترجم لعدد كبير من الأعلام بشكل مختصر،ترتب سوادها بشكل من أشكال الترتيب يسهل الوصول إلى المعلومة ويمكن تقسيمها إلى قسمين:
أ:كتب التراجم العامة:
       كتب تتناول المشاهير دون تحيز تاريخي أو موضوعي أو جغرافي واضح، وتعتبر أكثر التراجم تأليفا ،مثل كتاب سير أعلام النبلاء للذهبي فهو كتاب حافل منتقى وموسع في تراجمه،ذكر فيه المؤلف آلاف التراجم ، وقد كانت هذه التراجم شاملة لجميع أصناف التراجم وتخصصاتهم،ولم تقتصر على المحدثين فقط(6)
أ: كتب التراجم المتخصصة:
هي كتب تترجم للأعلام حسب فئاتهم الزمنية أو الموضوعية وغير ذلك من أنماط التخصص، وهي تنقسم إلى ثلاث:
التراجم التاريخية أو الزمنية:  وتضم الأعلام الشاملة التي تترجم لأعلام كل حقبة زمنية أو كل قرن على حدة بغض النظر باهتماماتهم وتخصصاتهم ومواقفهم الجغرافية مثل:
-         نشر المثاني لأخبار القرن الحادي عشر والثاني للقادري.
-         الدررالثامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجرالعسقاني.                          
-         إلى درر في تراجم رجال القرن الثالث عشر لأحمد بن محمد بن أحمد ألشفعي.
التراجم الموضوعية:هي تترجم للأعلام في موضوع أو تخصص معين
على حدة مثل: 
-        أسد الغابة في معرفة الصحابة.
-        طبقات المفسرين للسيوطي.
-        تاريخ علماء الأندلس لابن عماد الأندلسي(7).
التراجم الجغرافية: هي التي تترجم للأعلام في حيز جغرافي معين مثل:
-        تواريخ دمشق لابن عساكر(8).
-         تاريخ بغداد لأحمد بن طاهر البغدادي(9).
-         الروض العطر الأنفاس في التعريف بصلحاء فاس لابن عيشون(10).
المبحث الثاني:الترجمة: التعريف والأصناف
1-التعريف بالترجمة :
         مفهوم الترجمة من خلال ما سبق ومن خلال هذه المصنفات والمؤلفات يقوم في عمومه على تهيئة ظروف التعرف على المترجم به وإزالة حجب المجهول التي تكنفه، وذلك إما بعرض تاريخي الميلاد والوفاة ومحلهما،وذكر الطبقة التي ينتمي إليها الرجل زمانا ومكانا وعلما وخطة ، وإما بذكر أخباره  وأحواله ورحلاته وأشياخه وتلاميذ ته ونشاطه في التدريس والتأليف
والإنتاج الأدبي وممارسة الخطط وغيرها(11).
2-الفرق بين الترجمة والسيرة:
ليس في الفروق اللغوية ما بينهما على وجه التحديد . إلا أن الإصلاح والاستعمال هما صاحب الفتوى في هذا.فقد جرت عادة المؤرخين أن يسموا الترجمة بهذا الاسم حين لايطول نفس الكاتب فيها ،فإذا ماطال النفس و اتسعت الترجمة سميت سيرة(12) .
(7)    العباس بن إبراهيم السملالي ،مصدر سابق،ص129.
(8)    نفسه ص 118.
(9)    نفسه ص 117.
(10)نفسه ص 117.
(11)محمد بن محمد الإكراري
(12)محمد عبد الغني حسن، التراجم والسير، دار المعارف ، الطبعة الثالثة، 1980،ص9.

 3- ثوابت الترجمة :
هناك أسس تقوم عليها الترجمة للحصول على ترجمة نموذجية ، وذلك يتمثل في خمس ثوابت سنوزعها على الشكل التالي:
·       اسم الرحل وتاريخ ومكان ولادته:كما ذكر في مقدمة الطبعة لكتاب سير أعلام النبلاء أن الذهبي كان حريصا على ذكر تاريخ ولادة المترجم ولو تقديرا(13).
·       مرحلة الطلب: وفيها يتم التعريف بشيوخه في العلم ورحلته  إليهم وينبغي التنصيص في هذا الثابت على أسماء الشيوخ وعلى المصنفات العلمية التي قرآها المترجم عليهم .لأن في ذلك في التاريخ للعلوم والكتب العلمية المتداولة في تلك الحقبة من التاريخ. كما ذكر في مقدمة الطبعة لكتاب سير أعلام النبلاء أن الذهبي بين أهم المشايخ وأقدمهم وأخرهم وأقدم التلاميذ وأخرهم سماعا وذلك ليحدد طبقته قدر ما أمكن (14) .
·       سلوكه: ذكر سلوكيات العلماء للإقتداء بهم مع محاولة تفسير مواقف العلماء بعضهم من بعض(15).
·       مؤلفاته: ذكر أهم مؤلفاته لبيان الكتب المتداولة آنذاك.
·       وفاته: يستلزم ذكر الوفاة ولو افتراضا(16).
إذا توفرت الباحث على هذه الثوابت ،فإنه سيتمكن من كتابة ترجمة نموذجية ولكن في بعض الأحيان لا يجد الدارس في المصادر التاريخية مادة تسعفه بمعلومات كافية للتعريف. 
     4- أصناف الترجمة:
 
  يعرف التراث العربي فائضا كبيرا في أعمال تراجم الرجال تشمل أصناف المتر جم بهم من العلماء والمحدثين والمفسرين والأدباء والشعراء واللغويين والنحاة والمتصوفة والأطباء وغيرهم، وتبقى هذه التراجم أصناف متعددة حسب الطبعة التي تبقى عليها الترجمة فهناك من هذه الأصناف:
·صنف الترجمة العلمية العامة:وهي الترجمة التي تستهدف أساسا التعريف بالرجل في إطار انتهائه إلى صنف العلماء أو الطبقة من طبقات الممارسين للعلم (17). وميزتها أن المؤلف يستفي موادها من الوثائق والمصادر التي تتميز بين يديه ،ويشملها عموما نص الترجمة الواردة في كتب تواريخ الرجال .الطبقات وكتب الوفيات (18).
·صنف الترجمة البرنامجية:  وهي الترجمة التي يصوغها الرجل لأشياخه خاصة، فيستقي موادها من مواقفه الخاصة ومن معايشته للمترجم به ومشاهدته له في العموم،وتمثل هذه الترجمة بشكل عام نصوص الترجمات الواردة في كتب الفهارس والإثبات والبرامج والمشايخ ومعاجم الشيوخ(19).
·صنف الترجمة البلدانية : وهي الترجمة التي يصوغها المؤلف لأجل التعريف بالرجل باعتبار شرط انتمائه إلى البلد الذي قامت عليه تراجم الكتاب ،وتبنى هذه الترجمة على طريقة الترجمة العلمية العامة غير أنه يراعي فيها شرط الانتماء إلى البلد المعنى بالأمر(20).
·صنف الترجمة الأدبية : وهي الترجمة التي يسميها المؤلف بقصد تهيئة الظروف لعرض ما أنتجه المترجم به من نماذج أدبية ،ولا يستهدف منها تقدير معلومات حول المترجم به أوعرض أحواله أو ذكر وفاة وغيرها . وغالبا مانصاغ هذه الترجمة بطريقة أدبية يستأنف الكاتب في لغتها بالإنس جاع والمحسنات ليجعلها مدخل لعرض أعمال الأدب (21).
·صنف الترجمة الصوفية : وهو يمثل الترجمة التي يصوغها المؤلف بقصد تقريب المترجم به وهو في إطار انتمائه إلى رجال التصوف فتركز موادها على ذكر الكرامات أو ،والمناقب،تعرض سلوك المتصوفة وعباداته ومواقفه وأقواله ومعاملته للشيوخ والمريدين، ويمثل هذا الصنف التراجم الواردة في كتاب طبقات الصوفية والمناقب مثل التشوف إلى رجال التصوف للتادلي(22) .
       وبهذا نكون قد القينا الضوء على مجمل خصائص كتب التراجم والتربية ومميزات كل واحد على حدة وأهميتهم كقيمة تاريخية، فالتاريخ يتناول الحياة الماضية بجوانبها المختلفة، وترجمة القادة والزعماء والحكماء وغيره من شخصيات الماضي وكذلك دراسة حياة الشعوب والجماعات. وذلك أن دراسة الشخصيات يعتبر جزءا من الدراسة التاريخية لأهمية دورها في المجريات التاريخية وأثرها في حياة الشعوب. 

Share:

هناك تعليق واحد:

تابعنا عبر فيسبوك

BTemplates.com

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

يتم التشغيل بواسطة Blogger.