الأربعاء، 9 أكتوبر 2013

تطورات القرن الثالث عشر

          عرفت أوربا الغربية خلال العصر الفيودالي الثاني تطورات كبيرة على مختلف الأصعدة، الإقتصادية والإجتماعية و الثقافية ، إذ ظهرت على هامش القرى،التي كانت تشكل مركز سلطة الأسياد وثرواتهم، مجالات سكنية جديدة تقطنها فئة اجتماعية جديدة لاتخضع للأعراف الفيودالية وما يترتب عنها من روابط تبعية وصلة بالأرض .
وعرفت هذه الشريحة الجديدة في المجتمع ب "البورجانيس"(burgenses)، في فرنسا ،أي سكان الضواحي المعروفة ب "البورغ" (bourg). أما في إنجلترا فقد عرفت تحت اسم "الفريمان" (free men)، وتعني الأحرار ، أي غير الخاضعين للإكراهات الفيودالية. 
         وإذا كان الأسياد قد أقاموا ثرواتهم على أساس الأرض وما تجود به من حبوب وثمار ومواشي، فإن هذه الفئة الجديدة ، التي تعتبر النواة الأولى لما سمي فيما بعد بالبورجوازية ، اشتغلت بالتجارة وخلقت شيئا فشيئا نظاما جديدا يتمحور حول المدينة ويقوم على أساس النقود والصنائع و الأسواق .وقد بدأ هذا النظام الجديد في التشكل خلال القرن الثاني عشر ، أي في العصر الفيودالي الثاني الذي تميز باتساع اقتصادي متواصل بلغ أوجه في القرن الثالث عشر .ويكتسي هذا القرن أهمية كبيرة وعظمى في تاريخ أوربا،بالقياس إلى ما يمثله من مرجعية زمنية أساسية بالنسبة للمؤرخين الأوربيين. ومن ثم فقد حظي  بسلسلة من الدراسات التي أبانت عن الدور الكبير الذي للعبه في مسار التطور التاريخي ، شأنه في ذلك شأن القرن السادس عشر الذي غير ، بصفة شاملة ، وجه أوربا السياسي والصناعي والفكري .
       مس التطور الذي شهدته أوربا الغربية في هذه الفترة من تاريخها مجالات متعددة، في طليعتها التقنيات التي قدمت لمختلف القطاعات أدوات جديدة أو متجددة مكنت من التحكم  أكثر في عمليات الإنتاج والدفع بالمردودية وفتح آفاق تجارية جديدة .ففي المجال الفلاحي اتسع الإستغلال الزراعي بفضل الإجتثاث الذي مكن من كسب أراضي جديدة لزراعة الحبوب على حساب الغطاء النباتي الطبيعي .وكانت عملية الإجتثاث هذه قد بدأت منذ أواخر القرن العاشر، واتسعت في القرن الموالي ، ثم تعممت على مجموع التراب أوربا الغربية في القرن الثالث عشر .أما الضيعات الجديدة ، التي سهرت عليها الأديرة بشكل خاص، فقد تم استغلالها على نحو مغاير لنظام الاخاذات ، بواسطة فلاحين مأجورين تحت إمرة رهبان الدير.و بذلك أخد هذا الأسلوب الزراعي الجديد في التبلور حيث كان له أثار إيجابي على المجتمع القروي ، إذ أخذت القنانة في التقلص تدريجيا ، عندما أصبح الفلاحون يفضلون العمل في هذه الإستغلاليات المستحدثة الخالية من الإكراهات السينيورية.
         وموازاة هذا التطور الزراعي الجديد حصل تقدم في التقنيات الزراعية وفي طليعتها العمل بالمحراث الحديدي الذي ظهر ابتداء من القرن الثاني عشر .وحيث يستطيع هذا المحراث حفر عمق الأراضي الصلبة ...وبالإضافة إلى ذلك ،انتشرت طريقة المناوبة الزراعية الثلاثية عوض الثنائية ،وكذا ظهور نسق جديد يقضي باستراحة الأرض مدة سنة من ثلاث سنوات. وبفضل هذا التطور الملحوظ رفع في الزيادة في حجم المساحة المزروعة وتنويع المنتوجات في كل الفصول .
        ونتيجة هذا التطورات الزراعية الجديدة ارتفعت المردودية بشكل كبير،إذ زداد الإنتاج بنسبة 50% بين عام 1000وأواخر القرن الثاني عشر، وأصبح بالتالي قادرا على تلبية حاجيات السوق والتجارة.
ومن جهة أخرى ،تزايدت أعداد السكان على نحو كبير بين القرنين العشر و الثالث عشر.وهذا النمو الديموغرافي في حقيقة الأمر كان السبب في هذا التطور الزراعي .
         وقد منحت هذه التطورات لأوربا نفسا إقتصاديا وثقافيا قويا تجسد بشكل بين في القرن الثالث عشر مع نهضة المدن وظهور البورجوازية وتعدد المدارس والجامعات بكبريات الحواضر.
Share:

0 التعليقات:

إرسال تعليق

تابعنا عبر فيسبوك

BTemplates.com

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

يتم التشغيل بواسطة Blogger.